بين عدالة الكون وعدالة البشر

25/6/2018
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

بقلم الأستاذ يوسف حيدر أحمد

شعرتُ أنَّ السيّدة أماليا تقفُ على بركانٍ من الحيرة والضياع عندما سمعتُ صوت هاتفها الجوال يصدح بأغنية يتحدّث مضمونها عن الحزن واليأس والوحشة والفراق...

سألتها عن سر اختيارها لهذه الأغنيّة السوداوية، وإحتفاظها بها فأجابت بآهة صادرة من أغوار القلب، وبصوت تماوجت فيه سمات الأسى والهموم:« وهل في هذه الدنيا ما يُفرحْ؟».

أحسست بمرارة مُعاناتها الصادقة، وتساءلت في سِرِّي: هل عامل الفقر هو الذي أدّى بها إلى هذا الشعور القاتم والحزين؟. أو أنّ مآسي الحياة وظلمها وشقاوتها هي التي تُعذِّبها؟ ورغم أنّ إسمها كان يُوحي بالأمان والتفاؤل والأمل. لكن الظروف الضاغطة والمعاكسة، لم تكن لتسمح لها بالتناغم والإنسجام مع مضمون ما يحمله هذا الإسم من جمال وفرح!. وأحسستُ وهي تسردُ لي معاناتها مع أسرتها ـ بالحِملْ الإجتماعيّ الثقيل الذي تحمله على كاهلها، وفوق طاقتها لرعاية هذه الأسرة البائسة.

وداخلتني قناعة بأنَّ القدر الإنسانيّ الظالم أحياناً، هو الذي يُشقي بعض النّاس، ويسحقهم في أتونٍ من العذاب النفسي، والمادي والقلق الوجودي...

وتساءلت أيضاً، عمّا إذا كانت مسؤوليّة هذه المأساة تقعُ على عاتق القدر، أو على أكتاف المجتمع، الذي يفتقد إلى الروح الإنسانيّة النقيّة، والعدالة الإجتماعيّة، وعدم الإستخفاف بحياة النّاس المحتاجين إلى وسائل الرعاية والتكافل الإجتماعيّ.

وحضرتني من وحي هذه المناسبة غير السعيدة، حكمةُ إمام المُتقين عليّ بن أبي طالب t، الرائعة. والتي عبَّر فيها عن أسباب التعاسة الإنسانيّة، والخلل في البنيّة الإجتماعيّة عندما قال «مَا جَاعَ فَقِيرٌ إِلا بِمَا مُتِّعَ بِهِ غَنِيٌّ»، «وما رأيتُ نِعمةً موْفُورةً إلاَّ وإلى جانبها حق مُضيّع».

وقارنت جدلياً بين عدالة الكون، وعدالة البشر. فوجدت أنَّ الأولى أعدل، وأجمل وأثبت من الثانيّة، وبحسب قول الأديب الكبير جورج جرداق من أن «نواميس الكون وقوانينه صادقة، ثابتة، عادلة، يقوم منطقها الصارم بهذه الصفات وفيها وحدها ما يبرِّر وجود هذا الكون العظيم... القائم على وحدة من الصدق والثبات والعدل والتوازن». بينما عدالة البشر، قد تعتمد أحياناً على مزاجيّة الحاكم والمحكوم معاً، وعلى مصالحهما الفرديّة فقط، ما يجعل هذه العدالة تتمزَّق وتنحرف عن مسارها السليم، لتتخبط في دياجير الظلم والفساد وغمطِ النّاس حقوقهم وسعادتهم في الحياة فيترتب على ذلك ازدياد الفقير فقراً والغني غنىً، وتسلب السعادة من قلوبٍ تستحقها لتُعطى قسراً لمن لا يستحقها.

وأخيراً قلت لمحدثتي، مواساةً لمعاناتها، وتخفيفاً عن شعورها المأزوم والمهزوم ومشاركةً إنسانيّة في همومها، قلت لها:« تعالي نبكِ معاً، لعلّ في دموعنا الصادقة والبريئة ما يحرّقُ أقذار وفساد بعض النّاس فلربما تتماهى عدالة البشر وعدالة الكون والسماء، فيعمُّ السلام والطمأنينة والمسرَّة والعدل بين كل الكائنات الحيَّة».