محمد أفندي محسن أبي حيدر

08/01/2011
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

علم من أعلام المسلمين الشيعة في منطقة وادي علمات، وبلاد جبيل، وفتوح كسروان في مطلع القرن العشرين، ومن أعلام الوحدة الوطنيّة العربيّة المؤيدين لأطروحة الأمير فيصل بن الشريف حسين في وحدة سوريا، ولبنان مع زملائه في مجلس إدارة متصرفيّة جبل لبنان. وعلم من أعلام المقاومة للإنتداب الإفرنسي في لبنان.

أ ـ من هو محمد أفندي محسن؟

يقول عنه الأستاذ فارس سعادة في الموسوعة النيابيّة في لبنان: مُحمّد الحاج محسن أبي حيدر شيعيِّ من الحصون، إنتخب سنة 1903 عضواً في مجلس إدارة متصرفيّة جبل لبنان عن الطائفة الشيعيّة في كسروان وفي 9 آذار 1909م، أُعيد إنتخابه مرّة ثانيّة ينافسه حمود ناصر، وظلَّ نائباً حتى سنة 1915م، يوم حلَّ جمال باشا مجلس الإدارة ونفى بعض أعضائه. وعند إنتهاء الحرب 1918م، ودخول الحلفاء إلى لبنان أعيد مجلس الإدارة السابق، ولكن بعض أعضائه ومن بينهم مُحمّد محسن حُكم عليهم بالنفيّ لإتهامهم بمؤامرة ضد الفرنسيين فأصاب مُحمّداً ثماني سنوات.

وقد علّقت على ذلك بكتابي(التذكرة أو مذكرات قاضٍ) قائلاً: لقد كان إبن عمنا المرحوم مُحمّد أفندي الحاج محسن أبي حيدر مع بعض زملائه في مجلس إدارة المتصرفيّة أصحاب ميول عربيّة توحيديّة، وقد أراد الذهاب إلى دمشق مع زملائه الكرام لمبايعة الأمير فيصل بن الحسين ملكاً على سوريا ولبنان، غير أنّ قوّات الإحتلال الفرنسي قد إعتقلتهم في صوفر، وحكمت عليهم بالنفيّ إلى جزيرة سردينيا الفرنسيّة، كان نصيب إبن عمنا مُحمّد أفندي منها ثماني سنوات عاد بعدها إلى قريته الحصون.

وقال الأستاذ سعاده أيضاً: في كسروان إحتلَّ المقعد الشيعيّ مُحمّد محسن أبي حيدر بدون منازع، وعندها عُّيّنَّ مُظفر باشا منافسه عليّ الحاج عضواً عن الشيعة في هيئة دائرة الإستئناف الجزائيّة.

وقد علّقت على ذلك بكتابي الآنف الذكر، وفي ذات الصفحة الآنفة الذكر: وهذا إن دلَّ على شيءٍ فإنما يدلُّ على صفاء النوايا وصلة الرّحم بين الرجلين الكريمين وبين آل أبي حيدر وآل عَمرو.

هذا، والمقصود بعليّ الحاج الذي عُينّ عضواً عن الشيعة في هيئة دائرة الإستئناف الجزائيّة هو العضو الأسبق في مجلس الإدارة في متصرفيّة جبل لبنان: المرحوم عليّ أفندي الحاج حمود سعد الدين عَمرو وهو من أبطال الإستقلال في لبنان حيث حكم عليه جمال باشا في المحكمة العُرفيّة في عاليه بالإعدام سنة 1916م، مع زملائه الكرام آنذاك ولكن علي أفندي إستطاع الهرب من الأتراك، وقد تكلّمت عن ذلك في كتابيّ الآنف الذكر. ولكن تبيّن لنا بعد البحث وسؤال نجلي المرحوم الحاج عليّ الحاج مسلم عَمرو وهما: عبد الرضى ـ وقد تكلّمت عنه في هذا العدد تحت عنوان: الذاكرة الشعبيّة في قريتي المعيصرة والزعيتري، والحاج عبد المنعم ـ: أنَّ عليّ الحاج هما إثنان، الأوّل وهو: من تكلّمت عنه سابقاً والمعروف بعليّ أفندي الحاج حمود سعد الدين عَمرو، وقد شغل منصب عضو مجلس الإدارة مدّة طويلة ثُمَّ منصب عضو في هيئة دائرة الإستئناف الجزائيّة الآنفة الذكر، والثاني: وهو عليّ الحاج مُسلم عَمرو، وهو صهر الأوّل وزوج إبنته الحاجة فاطمة، وقد شغل منصب العضويّة، عامين أو ثلاثة ثُمَّ تركه لإبن عمه المرحوم مُحمّد أفندي محسن، كما جاء في كلام السيّد عبد الرضى عَمرو في هذا العدد!.. 

وأمّا منافس المرحوم مُحمّد أفندي محسن أبي حيدر على المقعد الشيعيّ في كسروان فكان المرحوم حمود أفندي ناصر وهو من قرية الحصين الكسروانيّة، وكان يشغل منصب مدير مديريّة المنيطرة في آخر عهد المتصرفيّة، وكان أوّل قاض شيعيّ مدنيّ يعين في مدينة صور أيام الفرنسيين في أواخر العشرينيات من القرن الماضي.

ب ـ مع حفيده الحاج عدنان محسن أبي حيدر:

الحاج عدنان ابن الحاج عبد الحميد بن مُحمّد أفندي إبن الحاج محسن بن محمود آل أبي حيدر من وجهاء بلدة الحصون والمقيمين بها صيفاً وشتاءً، ومن المعروفين بالأخلاق الطيبة، وكرم الضيافة.

عند سؤاله من قبل رئيس التحرير عن البطاقة الشخصيّة للمرحوم جده أفادنا بما يلي: لقد إنتقل المرحوم جدي إلى جوار الله تعالى، عن عُمر ناهز الثالثة والثمانين عاماً في قريته الحصون، ودفن في جبانتها العامّة في:25 تموز 1945م،الموافق:23 شوّال 1364هـ.

ولا أتذكر شخصه الكريم إلا كالحلم لأني من مواليد 1941م، وهو: مُحمّد أفندي ابن الحاج محسن بن محمود آل أبي حيدر الوائليّ، تزوج ثلاث نساء وهنَّ:

الزوجة الأولى: المرحومة خديجة نون وأنجب منها: 1) المرحوم والدي الحاج عبد الحميد مختار قرية الحصون، 2) المرحوم عمي الحاج علي وقد عمل في سلك شرطة بيروت، 3) المرحوم عمي عبد العزيز وقد عمل في سلك الدرك، 4) عمتي المرحومة الحاجة زمزم وقد تزوجها  المرحوم محمد حمد علي الحاج أبي حيدر كاتب عدل المنيطرة.

الزوجة الثانيّة: المرحومة زينب شمص وقد أنجب منها: 1) عمي المرحوم الأستاذ حسين شغل منصب مُساعد قضائي، كما شغل في آخر حياته منصب مختار الحصون وذلك قبل المرحوم والدي، 2) عمي المرحوم شبلي، 3) عمي المرحوم حسن وقد عمل أيضاً في سلك الدرك.

الزوجة الثالثة: المرحومة زينب مصطفى من عرمتى ـ قضاء جزين، ولم ترزق منه بالأولاد.

وجميع أعمامي تزوجوا وأعقبوا عدا المرحوم عمي عبد العزيز فقد توفاه الله تعالى أعزباً عن اثنين وعشرين عاماً. وفي الختام توجه الحاج عدنان بالشكر للمجلة ولرئيس تحريرها ولأعضاء هيئة التحرير على أعمالهم الثقافيّة والتأريخيّة في بلاد جبيل وفتوح كسروان، وإهتمامهم بأعلام هذه البلاد ورجالاتها.

ج ـ مع الشيخ مُحمّد داود خاتون:

كان لرجوع المرحوم مُحمّد أفندي الحاج محسن من فرنسا في كانون الثاني 1923 إلى قريته الحصون الأثر الطيب والجميل عند أبناء المنطقة، وقد أرَّخ لهذا الرجوع فضيلة الشيخ مُحمّد داود خاتون المدّرس في مدرسة علمات الرسميّة، وقد تكلّم عن آثار هذا الرجوع على منطقة علمات وبلاد جبيل في قصيدته التاليّة، وقد أورد هذه القصيدة الأستاذ مُحمّد عوّاد في أطروحته حول تاريخ علمات وجوارها1800ـ1935، وهذه القصيدة تبرز مآثر المرحوم مُحمّد أفندي الوطنيّة، ومحبة النّاس له، وقد جاء بها ما يلي: بسم الله وحده.. وقلت مادحاً ومهنئاً صاحب الرئاسة العامّة والشهامة السّاميّة، الحسيب النسيب، والأديب اللبيب، فرع الشجرة الفائقة، حضرة جناب السليل الكامل مُحمّد أفندي محسن من قرية الحصون الواقعة في أعمال جبل لبنان الكبير، وذلك وقت رجوعه من سفره بالسلامة، فلنحمد الله ونشكره على ما أنعم علينا بقدوم ورجوع ذلك البطل الكاسر أيدَّ الله عليه النعم أبد الآبدين، ودهر الداهرين ما دام، ودام الحقُّ يصحبه بالأمن والأمان آمين.

هنيئاً لكم يا آل محسن جَمْعكُمُ

بمُحمّدٍ حازَ المفاخِرَ أبَّاً وجَدَّا

هو الجهباز المفضالُ من آلِ محسن

حياكم الله به جمعاً وفردا

سقاهُ خيامُ الغور صَوبَ الحيا عهدا

يجدِّد عنا في معاهده عهدا

ولا برحت فيه الجُرُودُ مريضة

تناغي الغُصُونَ الخضر والقِضبِ المَلدا

وتنثرُ دُرَّ الطِّل في ظلِ روضةٍ

ترشُّ يدي الأنداءِ في وِردها الوردا

أعادهُ علينا اللهُ من بركاتِهِ

ومدَّ لنا الرحمنُ في عُمره مدَّا

وساحتُهُ مأوى الوفودِ ومالَهُ

على رغمِ أنفِ الضِدِّ ينْهِبُهُ الوَفْدا

تلوذُ به الآمالُ وهي غريبةٌ

فتؤنسها جوداً وتوسعها رِفْدا

عفافٌ وانصافٌ وحُسْنَ شمائِل

تفوقُ شمولَ الَّراح ممزوجة شَهْدا

رَعَيْتَ رياض المجد طفلاً وناشئاً

وكهلاً فمن ذا يدعي معكَ المجدا

وينزِلُ منك الضّيفُ اخْصَبَ ساحةٍ

فتحلو لهم وِدّاً وتصفو لهم وِرْدَا

وما اشتَمَلتْ لبنانُ على مثلِ مُحمَّدٍ

أبرُّ وأوفَى من تقمَّصَ وارتَّدا

لقد شَمَلَتنا منه كُلُّ كرامةٍ

وَصُلنا به عِزاً وفخراً على العِدا

شَدَدْتُ به عَزمي ومكَّنْتُ ساعدي

واعْدَدتُّهُ لي في الحوادِثِ مُنْجِدا

هنيئاً لك التعظيم يا نَسْلَ مُحْسِنٍ

مَحَامِدُ في الآفاقِ تستوحِب احْمَدَا

بَقِيْتَ لهذا القِطرِ عِزَّاً وللعدى

حُساماً وللراجينَ عارفةً تُسدّا

ولا زِلتَ على الأنجال شمساً مُشرقاً

ونُورَ منارٍ يستَضيُّ بِكَ الّرشدا.

 

د ـ مع الأستاذ علي خليل حيدر أحمد

كما كان لوفاة المرحوم مُحمّد أفندي محسن في 25 تموز 1945 الموافق 23 شوّال 1364هـ. الصدى الحزين في قلوب الجبيليين والكسروانيين حيث فقدوا به ركناً من أركان المحبة والسلام، وعلماً من أعلام الوحدة الوطنيّة، وقد توافدت الوفود من جميع القرى مُعزيةً أهالي الحصون مسلمين ومسيحيين بالراحل الكبير. وقد نظم المُدرّس في مدرسة علمات الرسميّة والشاعر الشعبيِّ الكبير المرحوم الأستاذ عليّ خليل حيدر أحمد قصيدة شعبيّة حزينة أورد منها الأستاذ عوّاد في أطروحته الآنفة الذكر البيتين التاليين:

 ما للحصون وأهلها حزنان

تسكب دموعاً كالمزان هتان

حيّ الأفندي بالفصاحة منعرف

عضو الإدارة مزين الديوان.

 

هـ ـ خلاصة الكلام:

فمن هو مُحمّد أفندي محسن الّذي يقول عنه فضيلة الشيخ مُحمّد داود خاتون: صاحب الرئاسة العامّة والشهامة الساميّة، الحسيب النسيب، والأديب اللبيب فرع الشجرة الفائقة، حضرة جناب السليل الكامل إلى آخر ما جاء في كلامه وقصيدته آنفاً.

إنّه: إبن الحاج محسن بن محمود من آل الشيخ أبو حيدر الملقب بالنمس وكان من ولاة بلاد جبيل أيام الشهابيين، إبن الشيخ أحمد الميسي الوائلي.

كما كانM آخر عضو شيعيّ في مجلس إدارة متصرفيّة جبل لبنان، وكان مُتحالفاً مع جورج بك زوين المعروف بأسد لبنان، وقد ترشحM عن المقعد الشيعي بالإتفاق مع إبني عمه المرحوم علي أفندي الحاج حمود سعد الدين عمرو، والمرحوم علي الحاج مسلم عمرو. وقد نجح عدّة مرات كما كان منافسه الوحيد حمود أفندي ناصر مدير مديريّة المنيطرة آنذاك.

ونتيجة لميوله العربيّة والوطنيّة ورغبته مع بعض زملائه في مجلس الإدارة بمبايعة الأمير فيصل بن الحسين ملكاً على سوريا ولبنان فقد لاقى النفي من الفرنسيين، والإهمال والنسيان من أهالي بلاد جبيل وكسروان أيام الإنتداب الإفرنسي، وأيام الإستقلال غير أنّ الملاحظ أنَّ الإفرنسيين قد اسقطوا من حكمهم عليه بالنفي ثلاث سنوات حيث أصبح الحكم خمس سنوات بدلاً من ثماني.

فأحرى بالنوادي والمجالس الثقافيّة في بلاد جبيل، وببلديّة الحصون إماطة الحجاب عن حياة هذا العلم، والبطل الوطني المقاوم للإستعمار الفرنسي، وتحويل منزله الأثري في قريته الحصون إلى متحف وطني، وتسمية الشارع الرئيس في القرية بإسمه تخليداً لذكراه العطرة، وحتى يبقى هذا البطل المقاوم أنشودة وطنيّة للأجيال.

رئيس التحرير