الأستاذ بهجت محمود نصر الدين

25/02/2014
العدد الواحد والاربعون نيسان -2020

بقلم: معالي الوزير الدكتور أسعد دياب

في الذكرى العشرين لغياب الأستاذ بهجت نصر الدين، تستنفذ الذاكرة الحلم وتقف شاهدة على مسيرة رجل إتصف بالحكمة حسب ما وصفه الأستاذ سمعان سمعان وبالمحاور الفذّ «المدرسة الحواريّة». كما وصفه سماحة العلاّمة الرئيس الشيخ حسن عوّاد. وبصاحب الرأي السديد على حدِّ قول الدكتور محمود شقير.

عاش الأستاذ بهجت نصر الدين «بعزّة وكرامة ... وغيابه استشعر نفوسنا ألماً وحاجة وطنيّة وعربيّة كما قال عنه صديقه الدكتور زخيا الخوري. ورأى فيه الدكتور فيليب متى رمزاً ونموذجاً لرجال يعملون على ترسيخ العيش المشترك.

في الكتيب الذي أصدره أصدقاؤه، ضاقت الصفحات أمام سيل الكلمات التي قيلت فيه يوم رحيله وفي أربعينه وفي ذكراه السنويّة الأولى. ومن الكلمات التي تستوقف المطلع على الكتيب كلمة فضيلة الشيخ غسّان اللقيس التي جاء فيها:» وكان بهجت رجلاً قليل الكلام كثير الحركة، صادق السريرة، غيوراً على أهل منطقته من أية طائفة كانوا ولأي مذهب إنتموا». وكلمة الرئيس أديب علاّم والتي جاء فيها، «آخر لقاء لنا، عندما أطلَّ عليَّ في مستشفى «دار الأمل» وقد سرّني «تحطيم عظام في الفراش» فترة ليست بقصيرة، والبِشرُ ملء مُحياه. وغاب.. وبقي خياله لا يبرح، هذا الخيال الذي تحوّل إلى حقيقة سأحملها معي..».

وتحت عنوان: «الخميرة الصالحة» كتب معالي الوزير الدكتور أسعد دياب:

عندما تعرّفت بفقيدنا الغالي. كان ذلك يوماً من الأيام السعيدة في حياتي. فقد وجدت فيه الشخص الذي يختزن في أعماق ذاته. ضميراً حسياً ومحبة صافيّة وقيماً سامية. تأصلت جميعها في كيانه وتجذرت.

كنت تستقرئ هذه المزايا من حديثه ومن سلوكه، هذا السلوك وذلك الحديث اللذان كانا ينبعان من القلب وبعفوية ظاهرة لا لبس فيها ولا إبهام.

حمل إلى المدينة كل قيم القرية التي نشأ وترعرع فيها وقيم المنطقة التي أحبها وبادلته الحب. منطقة حوت كل الفئات والطبقات فتآلف ناسها وتحابوا، فنمت في صميم أهلها المحبة وتعززت الفروسيّة في التصرف بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، من تسامح ورجولة ومروءة وتضحيّة وعشق لعمل الخير دون حدود.

لقد حمل في قلبه إلى بيروت، منطقته، فهو لم يفارقها وهي بدورها لم تفارقه، حنينه لها اتحاد فيها وعمله فيها ومن أجل من فيها كان حرثاً في واد ذي زرع.

كان مُعلماً في كل تصرفاته يحب أن يعطي وأن يجزل في العطاء فكأنّه كان حريصاً كل الحرص على أن يتوق إلى الأفضل ويحثُّ على الخروج من رواسبنا والعودة إلى ينابيع القيم التي عليها نشأنا.

كان يتألم ويتحمل في جسمه مرارة الآلام من كل عمل شاذ.

فصدق قول الشاعر:

وإذا كانت النفوس كباراً

تعبت في مرادها الأجسام

هذه الخميرة الصالحة التي كانت تتفاعل في كيانه كان يسعى إلى نقل مضامينها إلى غيره، ويجد لذّة لا تعادلها لذة في العثور على من يقاسمه فيها نفس الرأي والإقتناع، ومن هنا حرصه أن يكسب أصدقاءه على صورته، فكان يسعى اليهم ويتوق إلى التعرف إليهم ويحرص كل الحرص على التمسك بهم ويخاف أن يخسر أياً منهم متمثلاً بقول الإمام عليِّ(ع): «أعجز النّاس من عجز عن اكتساب الاخوان وأعجز منه من ضيع من ظفر به منهم».

كانت معاشرته لإخوانه وللغير، معاشرة يحكمها قول الإمام عليِّ(ع): «خالطوا النّاس مخالطة، ان متم معها بكوا عليكم، وان عشتم حنوا إليكم».

وموت فقيدنا العزيز، أبكى الجميع على فراقه وخسارتنا فيه خسارة للقيم التي لا تعوض.

وإذا كانت سعادتنا كبيرة عندما تعرفنا به فقد كان حزننا أكبر بفقدانه رحمة الله عليه(2).